الجيّد ضدٌّ للأفضل

لماذا لا نملك أفضل المدارس؟ لأننا نملك مدارس جيدة. لماذا لا نملك أفضل الحكومات؟ ذلك لأن حكوماتنا جيدة, عدد قليل من الناس يحققون حياة عظيمة, أم الغالبية العظمى فمن السهل أن تقبل بحياة جيدة.

أغلبية الشركات ليس شركات عظيمة, والسبب في ذلك أن هذه الغالبية العظمى أداؤها جيد وحسب, وهذه هي المشكلة الرئيسية.

وفي البحث الذي قمنا فيه لإعداد هذا الكتاب, والذي استغرق خمس سنوات, قمنا بتحديد مجموعة من الشركات التي لاحظنا أنها حققت قفزة في النتائج من نتائج جيدة عادية, إلى نتائج ممتازة, ثم استمرت بتحقيق نمو متسارع لمدة خمس عشرة سنة على الأقل.

ثم قارنا أداء هذه الشركات التي تحولت من الجيد إلى الأفضل مع شركات أخرى منتقاة بعناية وتعمل في نفس المجال فشلت في تحقيق القفزة, أو ربما حققت القفزة في النتائج ولكن فشلت في المحافظة على النمو.

لإدراك هذا المفهوم لنرى المخطط التالي:

1

وقد قمنا بمقارنة هذين النوعين من الشركات لمعرفة ميزات الشركات التي تحولت, واكتشاف صفاتها الأساسية ومميزات عملها, حتى يكون ذلك مرجعاً لأي شركة تريد أن تحقق ما حققته هذه الشركات.2

فمثلاً لو قمت في عام 1965 باستثمار 1 دولار في صندوق استماري لأحد الشركات التي تحولت من الجيد إلى الأفضل, وبنفس الوقت استثمرت 1 دولار في السوق العامة للأسهم, فإن الـ 1 دولار الذي استثمرته في الشركة التي تحولت سوف تأخذه 471 دولار, مقارنة مع 56 دولار ناتجة من دولار السوق العامة.

على سبيل المثال أحد الحالات المدروسة في الكتاب شركة والغرين التي كانت معروفة لفترة طويلة من الزمن بأنها شركة جيدة, ولكن في عام 1975 حدثت قفزة في هذه الشركة وبدأت أسهمها ترتفع وترتفع, ومن عام 1975 وحتى عام 2000 فإنك كل دولار واحد استثمر في شركة والغرين تفوق على الـ 1 دولار الذي استثمر في شركات إنتل بمرتين تقريباً, وعلى شركة جنرال إلكتريك بخمسة مرات, وعلى شركة كوكاكولا بثمانية مرات, وعلى متوسط نمو السوق بخمس عشرة مرة.

كيف حققت شركة والغرين القفزة؟ ولماذا لم تحقق شركات أخرى تعمل في نفس المجال وبنفس الموارد والفرص مثل شركة Eckerd هذه القفزة؟

هذه الحالة تمثل جوهر البحث.

ولقد حددنا 11 شركة لديها نفس النمط تقريباً, وقد كانت القائمة غير متوقعة إطلاقاً, فشركات غير معروفة مثل Fannie Mae تفوقت في الأداء على كوكاكولا وجنيرال إلكتريك, وشركة مثل Walgreens تفوقت على إنتل.

ووصلنا في بحثنا إلى عدة استنتاجات سيتم تفصيلها لاحقاً ولكن نذكر منها الآن مثلاً:

  • الرئيس التنفيذي الذي أتى من خارج الشركة ليتولى زمام إدارتها, نادراً ما يقدر على تحويلها من الجيد إلى الأفضل, حيث أن 10 من أصل 11 شركة في بحثنا كان رؤساؤها التنفيذيون من داخل الشركة.
  • النظام الإداري للشركة لا يعتبر المفتاح الأساسي للتغيير فيها.
  • كلا المجموعتين (الشركات التي تحولت والشركات المقارنة) كان لديه استراتيجيات واضحة المعالم, ولم يكن هناك دليل على أن الشركات التي تحولت أمضت وقتاً أكبر في التخطيط الاستراتيجي.
  • لم تركز الشركات التي تحولت من الجيد إلى الأفضل على ما يجب أن تفعله حتى تصبح عظيمة, بل ركزت بشكل رئيسي على أمرين أساسيين: ما لا يجب أن تبدأ بفعله, وما يجب أن توقف فعله.
  • استخدام التكنولوجيا لم يكن سبباً في التحول, ولكن كان له قدرة على تسريع التحول.
  • لا يؤدي اندماج الشركات إلى إطلاق عملية التحول.
  • لم تولي الشركات التي تحولت من الجيد إلى الأفضل اهتماماً كبيراً في إدارة الموظفين وتحفيزهم وتنظيمهم, لأنه وفي الظروف التي كانت تعيشها فإن مشاكل الإلتزام والتحفيز والتنظيم كانت تحل نفسها بنفسها.
  • لم يكن الشركات التي تحولت تعمل في صناعات كبيرة ناجحة, بل معظمها كان يعمل في مجالات متدنية نسبياً, كما لم نجد أي شركة بدأت بالتحول منذ بداية تأسيسها.

3

ويظهر البحث أن عملية التحول مرت على مرحلتين, مرحلة البناء, ومرحلة القفزة والمحافظة على النمو, ويتوزع على هذه العملية كلها ثلاث أمور أساسية, الأشخاص المنضبطون, الفكر المنضبط, والعمل المنضبط.

وبتطبيق هذه المبادئ بشكل متكرر يظهر لدينا مفهوم أسميناه مفهوم “تأثير القرص”, والذي يحوي جميع مبادئ عملية التحول من الجيد إلى الأفضل.

وفيما يلي ملخص للنقاط التي تم دراستها في هذا الكتاب:

1- القيادة من المستوى الخامس

من أكثر الأمور التي فاجأتنا هي نوع القيادة المطلوبة لتحويل شركة من الجيد إلى الأفضل, فقد كان قادة هذه الشركات كأنهم جاؤوا من المريخ, فهم متواضعون, هادؤون, متحفظون, وحتى خجولون.

لقد كان هؤلاء القادة يمثلون المزيج المتناقض من التواضع الشخصي والإرادة الاحترافية.

2- أولاً من .. ثم ماذا

لقد وجدنا أن الشركات التي تحولت قامت وقبل كل شيء بوضع الأشخاص المناسبين في الحافلة المناسبة لهم, ووضعوا كل شخص في مقعده المناسب, ثم قام هؤلاء الأشخاص باكتشاف أين ستتوجه الحافلة وكيف ستقاد.

فالأشخاص ليسوا هم الثروة الأكثر أهمية, بل الأشخاص المناسبون.

3- مواجهة الحقائق القاسية

تبنت الشركات التي تحولت تناقضاً أسميناه تناقض ستوكدال Stockdale Paradox, وهو يعني أن عليك أن تملك إيماناً ثابتاً بأنك تستطيع أن تنجح في النهاية بغض النظر عن الصعوبات التي تواجهها, وبنفس الوقت يجب أن تتحلى بالانضباط لمواجهة الحقائق القاسية للواقع مهما كانت هذه الحقائق.

4- مفهوم القنفذ

مجرد كونك تعمل في مجال ما لسنوات طويلة, لا يعني بالضرورة أنك الأفضل في العالم فيه, وبالتالي فإن هذا المجال لن يشكل قطعاً نواة للوصول إلى شركة عظيمة, ومفهوم القنفذ سيركز على هذه النقطة فيما بعد.

5- ثقافة الانضباط

إذا كان لديك أشخاص منضبطون ذاتياً, فلن تحتاج إلى سلطة لمراقبتهم وتنظيمهم. وإذا كان لديك فكر منضبط, فلن تعاني من البيروقراطية. وإذا كان لديك عمل منضبط, فلن تحتاج إلى سلطة مفرطة. هذه الأمور الثلاث تمثل ثقافة الانضباط التي تمثل التركيبة السحرية للأداء العظيم.

6- المسرعات التكنولوجية

الشركات التي تحولت لا تستخدم التكنولوجيا كعامل لإطلاق عملية التحول, ومع ذلك فهذه الشركات تعتبر من الرائدة في استخدام التكنولوجيا الحديثة المختارة بعناية.

7- تأثير القرص

إن البرامج الثورية والتغييرات الكبيرة وإعادة الهيكلة لن تنجح في صنع القفزة من الجيد إلى الأفضل, فالتحول لا يحصل بين ليلة وضحاها, وعملية التحول تشبه تدوير قرص دائري ثقيل في اتجاه معين, دورة بعد دورة, حاملاً معه عملية التحول.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *